سورة الأحزاب - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{يا أيها النبى اتق الله} ناداه بالنبي وأمره بالتقوى تعظيماً له وتفخيماً لشأن التقوى، والمراد به الأمر بالثبات عليه ليكون مانعاً له عما نهى عنه بقوله: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} فيما يعود بوهن في الدين. روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم ابن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا له: ارفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة وندعك وربك فنزلت. {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بالمصالح والمفاسد. {حَكِيماً} لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة.
{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} كالنهي عن طاعتهم. {إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فموحٍ إليك ما تصلح به أعمالك ويغني عن الاستماع إلى الكفرة، وقرأ أبو عمرو بالياء على أن الواو ضمير الكفرة والمنافقين أي أن الله خبير بمكايدهم فيدفعها عنك.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} وكل أمرك إلى تدبيره. {وكفى بالله وَكِيلاً} موكولاً إليه الأمور كلها.
{مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ} أي ما جمع قلبين في جوف لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس الإِنساني أولاً ومنبع القوى بأسرها وذلك يمنع التعدد. {وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائى تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} وما جمع الزوجية والأمومة في امرأة ولا الدعوة والبنوة في رجل، والمراد بذلك رد ما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان ولذلك قيل لأبي معمر أو جميل ابن أسد الفهري ذو القلبين، والزوجة المظاهر عنها كالأم ودعي الرجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن محمد، أو المراد نفي الأمومة والبنوة عن المظاهر عنها والمتبنى ونفي القلبين لتمهيد أصل يحملان عليه. والمعنى كما لم يجعل الله قلبين في جوف لأدائه إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلاً لكل القوى وغير أصل لم يجعل الزوجة والدعي اللذين لا ولادة بينهما وبينه أمه وابنه اللذين بينهما وبينه ولادة، وقرأ أبو عمرو {اللاي} بالياء وحده على أن أصله اللاء بهمزة فخففت وعن الحجازيين مثله، وعنهما وعن يعقوب بالهمز وحده، وأصل {تظاهرون} تتظاهرون فأدغمت التاء الثانية في الظاء. وقرأ ابن عامر {تظاهرون} بالإدغام وحمزة والكسائي بالحذف وعاصم {تظاهرون} من ظاهر، وقرئ: {تظهرون} من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد وتظهرون من الظهور. ومعنى الظهار: أن يقول للزوجة أنت علي كظهر أمي، مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقاً في الجاهلية وهو في الإِسلام يقتضي الطلاق أو الحرمة إلى أداء الكفارة كما عدي آلى بها، وهو بمعنى حلف وذكر الظهر للكناية عن البطن الذي هو عموده فإن ذكره يقارب ذكر الفرج، أو للتغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها إلى السماء، وأدعياء جمع دعي على الشذوذ وكأنه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه.
{ذلكم} إشارة إلى ما ذكر أو إلى الأخير. {قَوْلُكُم بأفواهكم} لا حقيقة له في الأعيان كقول الهاذي. {والله يَقُولُ الحق} ما له حقيقة عينية مطابقة له. {وَهُوَ يَهْدِى السبيل} سبيل الحق.
{ادعوهم لآبَائِهِمْ} أنسبوهم إليهم، وهو أفراد للمقصود من أقواله الحقة وقوله: {هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} تعليل له، والضمير لمصدر {ادعوهم} و{أَقْسَطُ} افعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقاً من القسط بمعنى العدل ومعناه البالغ في الصدق. {فَإِن لم تعلموا آباءهم} فتنسبوهم إليهم. {فَإِخوَانُكُمْ فِى الدين} أي فهم إخوانكم في الدين. {ومواليكم} وأولياؤكم فيه فقولوا هذا أخي ومولاي بهذا التأويل. {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللسان. {ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم أو ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح. {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} لعفوه عن المخطئ. واعلم أن التبني لا عبرة به عندنا وعند أبي حنيفة يوجب عتق مملوكه ويثبت النسب لمجهوله الذي يمكن إلحاقه به.
{النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس، فلذلك أطلق فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها. روي: أنه عليه الصلاة والسلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نتسأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت. وقرئ: {وهو أب لهم} أي في الدين فإن كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوة. {وأزواجه أمهاتهم} منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك فكما الأجنبيات، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: لسنا أمهات النساء. {وَأُوْلُواْ الأرحام} وذوو القرابات. {بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} في التوارث وهو نسخ لما كان في صدر الإِسلام من التوارث بالهجرة والموالاة في الدين. {فِى كتاب الله} في اللوح أو فيما أنزل، وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيم فرضط الله. {مِنَ المؤمنين والمهاجرين} بيان لأولي الأرحام، أو صلة لأولي أي أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة. {إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً} استثناء من أعم ما يقدر الأولوية فيه من النفع والمراد بفعل المعروف التوصية أومنقطع {وَكَانَ ذلك فِى الكتاب مَسْطُورًا} كان ما ذكر في الآيتين ثابتاً في اللوح أو القرآن.
وقيل في التوراة.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ} مقدر باذكر وميثاقهم عهودهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم. {وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ} خصهم بالذكر لأنهم مشاهير أرباب الشرائع وقدم نبينا عليه الصلاة والسلام تعظيماً له وتكريماً لشأنه. {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غَلِيظاً} عظيم الشأن أو مؤكداً باليمين، والتكرير لبيان هذا الوصف تعظيماً له.
{لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ} أي فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقومهم، أو تصديقهم إياهم تبكيتاً لهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق، أو المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم. {وَأَعَدَّ للكافرين عَذَاباً أَلِيماً} عطف على {أَخَذْنَا} من جهة أن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لإِثابة المؤمنين، أو على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً. {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً} ريح الصبا. {وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} الملائكة. روي أنه عليه الصلاة والسلام لما سمع بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم، ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى بعث الله عليهم ريحاً باردة في ليلة شاتية، فأخصرتهم وسفت التراب في وجوههم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وماجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر، فقال طليحة بن خويلد الأسدي أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال. {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من حفر الخندق، وقرأ البصريان بالياء أي بما يعمل المشركون من التحزب والمحاربة. {بَصِيراً} رائياً.
{إِذْ جاءُوكم} بدل من إذا جاءتكم. {عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ} من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان. {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش. {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار} مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصاً. {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} رعباً فإن الرئة تنتفخ من شدة الروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب. {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} الأنواع من الظن فظن المخلصون الثبت القلوب أن الله منجز وعده في إعلاء دينه، أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكي عنهم، والألف مزيدة في أمثاله تشبيهاً للفواصل بالقوافي وقد أجرى نافع وابن عامر وأبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف، ولم يزدها أبو عمرو وحمزة ويعقوب مطلقاً وهو القياس.


{هُنَالِكَ ابتلى المؤمنون} اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل. {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} من شدة الفزع وقرئ: {زِلْزَالاً} بالفتح.
{وَإِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ضعف اعتقاد. {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} من الظفر وإعلاء الدين. {إِلاَّ غُرُوراً} وعدا باطلاً. قيل قائله معتب بن قشير قال يعدنا محمد بفتح فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً ما هذا إلا وعد غرور.
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ} يعني أوس بن قيظي وأتباعه. {ياأهل يَثْرِبَ} أهل المدينة، وقيل هو اسم أرض وقعت المدينة في ناحية منها. {لاَ مُقَامَ} لا موضع قيام. {لَكُمْ} ها هنا، وقرأ حفص بالضم على أنه مكان أو مصدر من أقام. {فارجعوا} إلى منازلكم هاربين، وقيل المعنى لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى الشرك وأسلموه لتسلموا، أو لا مقام لكم بيثرب فارجعوا كفاراً ليمكنكم المقام بها. {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النبى} للرجوع. {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} غير حصينة وأصلها الخلل، ويجوز أن يكون تخفيف العورة من عورت الدار إذا اختلت وقد قرئ بها. {وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ} بل هي حصينة. {إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} أي وما يريدون بذلك إلا الفرار من القتال.
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} دخلت المدينة أو بيوتهم. {مّنْ أَقْطَارِهَا} من جوانبها وحذف الفاعل للإِيماء بأن دخول هؤلاء المتحزبين عليهم ودخول غيرهم من العساكر سيان في اقتضاء الحكم المرتب عليه. {ثُمَّ سُئِلُواْ الفتنة} الردة ومقاتلة المسلمين. {لآتَوْهَا} لأعطوها، وقرأ الحجازيان بالقصر بمعنى لجاءوها وفعلوها. {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا} بالفتنة أو بإعطائها. {إِلاَّ يَسِيراً} ريثما يكون السؤال والجواب، وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد تمام الارتداد إلا يسيراً.
{وَلَقَدْ كَانُواْ عاهدوا الله مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار} يعني بني حارثة عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين فشلوا ثم تابوا أن لا يعودوا لمثله. {وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولاً} عن الوفاء به مجازى عليه.
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَوِ القتل} فإنه لا بد لكل شخص من حتف أنف، أو قتل في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم. {وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} أي وإن نفعكم الفرار مثلا فمنعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعاً، أو زماناً قليلاً.
{قُلْ مَن ذَا الذى يَعْصِمُكُمْ مّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} أي أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله:
متقلداً سيفاً ورمحاً ***
أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع. {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ الله وَلِيّاً} ينفعهم. {وَلاَ نَصِيراً} يدفع الضر عنهم.
{قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ} المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون. {والقائلين لإخوانهم} من ساكني المدينة. {هَلُمَّ إِلَيْنَا} قربوا أنفسكم إلينا وقد ذكر أصله في (الأنعام). {وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً} إلا إتياناً أو زماناً أو بأساً قليلاً، فإنهم يعتذرون ويتثبطون ما أمكن لهم، أو يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون إلا قليلاً كقوله: {مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً} وقيل إنه من تتمة كلامهم ومعناه لا يأتي أصحاب محمد حرب الأحزاب ولا يقاومونهم إلا قليلا.
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر أو الغنيمة، جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل {يَأْتُونَ} أو {المعوقين} أو على الذم. {فَإِذَا جَاء الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} في أحداقهم. {كالذى يغشى عَلَيْهِ} كنظر المغشي عليه أو كدوران عينيه، أو مشبهين به أو مشبهة بعينه. {مّنَ الموت} من معالجة سكرات الموت خوفاً ولواذاً بك. {فَإِذَا ذَهَبَ الخوف} وحيزت الغنائم. {سَلَقُوكُم} ضربوكم. {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ذربة يطلبون الغنيمة، والسلق البسط بقهر باليد أو اللسان. {أَشِحَّةً عَلَى الخير} نصب على الحال أو الذم، ويؤيده قراءة الرفع وليس بتكرير لأن كلا منهما مقيد من وجه. {أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ} إخلاصاً. {فَأَحْبَطَ الله أعمالهم} فأظهر بطلانها إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل أو أبطل تصنعهم ونفاقهم. {وَكَانَ ذلك} الإِحباط. {عَلَى الله يَسِيراً} هيناً لتعلق الإرادة به وعدم ما يمنعه عنه.
{يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ} أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا، وقد انهزموا ففروا إلى داخل المدينة. {وَإِن يَأْتِ الأحزاب} كرة ثانية. {يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الأعراب} تمنوا أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الأعراب. {يُسْأَلُونَ} كل قادم من جانب المدينة. {عَنْ أَنبَائِكُمْ} عما جرى عليكم. {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال. {مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً} رياء وخوفاً من التعيير.


{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد، أو هو في نفسه قدوة يحسن التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديداً أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد، وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه. {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة، أو أيام الله واليوم الآخر خصوصاً. وقيل هو كقولك أرجو زيداً وفضله، فإن {اليوم الآخر} داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و{لِمَنْ} كان صلة لحسنة أو صفة لها. وقيل بدل من {لَكُمْ} والأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه. {وَذَكَرَ الله كَثِيراً} وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة، فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك.
{وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} بقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام: «سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم» وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر» وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الراء وفتح الهمزة. {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} ظهر صدق خبر الله ورسوله أو صدقاً في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء، وإظهار الاسم للتعظيم. {وَمَا زَادَهُمْ} فيه ضمير {لَمَّا رَأَوُاْ}، أو الخطب أو البلاء. {إِلاَّ إِيمَانًا} بالله ومواعيده. {وَتَسْلِيماً} لأوامره ومقاديره.
{مّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ} من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لإِعلاء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق، فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه. {فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان. {وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ} الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما. {وَمَا بَدَّلُواْ} العهد ولا غيروه. {تَبْدِيلاً} شيئاً من التبديل. روي أن طلحة ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه الصلاة والسلام: «أوجب طلحة» وفيه تعريض لأهل النفاق ومرض القلب بالتبديل، وقوله: {لّيَجْزِىَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ المنافقين إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} تعليل للمنطوق والمعرض به، فكأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى، والتوبة عليهم مشروطة بتوبتهم أو المراد بها التوفيق للتوبة. {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} لمن تاب.
{وَرَدَّ اللهُ الذين كَفَرُواْ} يعني الأحزاب.
{بِغَيْظِهِمْ} متغيظين. {لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب. {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} بالريح والملائكة. {وَكَانَ الله قَوِيّاً} على إحداث ما يريده. {عَزِيزاً} غالباً على كل شيء.
{وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم} ظاهروا الأحزاب. {مّنْ أَهْلِ الكتاب} يعني قريظة. {مِن صَيَاصِيهِمْ} من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك. {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرعب} الخوف وقرئ بالضم. {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} وقرئ بضم السين روي: «أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال: أتنزع لأمتك والملائكة لم يضعوا السلاح إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم إحدى وعشرين أو خمساً وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم: تنزلون على حكمي فأبوا فقال: على حكم سعد بن معاذ فرضوا به، فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، فقتل منهم ستمائة أو أكثر وأسر منهم سبعمائة».

1 | 2 | 3